السبت، ٤ ديسمبر ٢٠١٠

الدين .... بين العلم والجهل

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ،،،

كثير من الناس يطلق على كل ما يخص علوم الشريعة كلمة (دين) بشكل مجمل ويتعامل معها إعتباراً لفهمه وثقافته هو دون أن يلتزم بالمعني الشرعي لها ، فالبعض قد يظن أن الدين منحصر في شكل معين من اشكال العبادات والتقرب إلي الله بالأشكال المخصوصة مثل الصلاة والصيام والذكر وغيرها من العبادات العملية ، وهؤلاء يفصلون بين دنياهم والأمور الحياتية وبين الشرع والتشريع فلا يَسلمون من الوقوع فى أخطاء بل وذنوب كثيرة بسبب جهلهم المتعمد لأنهم هم من قرروا بنفسهم الفصل بين الدين والدنيا

فمن الناس من تأثر بهذه الافكار الخبيثة فيروجون لها وهم للأسف الأن أصحاب أصوات مسموعة ومناصب مرموقة و يٌأخذ برأيهم في شئون العامة بل وتجدهم يصيحون بأعلي صوتهم في جميع وسائل الإعلام بكلام عجيب مثل {نحن لانقبل بأن نكون دولة دينية بل نحن دولة حضاريه تحكمها المبادئ والقيم} وهم لا يدرون انهم بذلك يستبدلون الحكم الإلهي بالحكم البشري كما قال رب العزة

أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ

وأنا أتسائل ... من أين تأتي المبادئ والقيم إن لم تأت من خالق البشرية العالم بما يصلح لها ؟؟

أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ

ونسي هؤلاء أن مردنا جميعا إلي مٌنزل هذا الدين الذي لا يقبلون دخوله في حياتهم !

الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ


* والبعض الأخر يظن أن الدين هو عبارة عن مجموعة من الارشادات والنواهي وأمور منها ما هو حلال أو حرام ومنها ما هو مختلف في حكمه فعلي المرء أن يختار بعقله الصواب وأن التكاليف الشرعية ما هي إلا قدرات واستطاعات فردية من فعلها فعل امر جيد ومن لم يفعلها فلا مشكلة عنده !

وقد صدق الإمام بن القيم رحمه الله حينما قال : ما عبد الله بأفضل من العلم وما عصي بأشد من الجهل


* وهناك بعض الناس قد ينظرون إلي الأمور الشرعية نظرة غير مكتملة ويركنون إلي بعض الأقوال مثل {استفت قلبك والدين يسر والأعمال بالنيات} وغيرها من الأقاويل المقصوصة والمبتورة المنتشرة علي الألسنة والمحفوظة جيدا لكي تكون الدليل الجاهز والسريع بل والوحيد علي سبب اختيارهم لما يقومون به وهم لا يدرون أن الحديث السابق علي سبيل المثال والخاص بإستفتاء القلب قد قاله النبي صلي الله عليه وسلم لصحابي إسمه وابصة وهو يعلم ان هذا الصحابي عنده من العلم ما يؤهله إلي ان يسأل قلبه ويستفتيه فيدله علي الصواب . فما بالنا نحن .. هذا إن صح اصلا ً سند الحديث

 
وقد يُعذر البعض في زماننا هذا الذى ُغيبت فيه الحقائق وعٌميَّت فيه الأبصار .. الزمن الذي قل فيه العلم وشاع فيه الجهل ... زمن الغربة

قال صلى الله عليه وسلم

إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء

فالإسلام غريباً في زماننا هذا لقلة المتمسكين به . وهذه الغربة تزداد شيئاً فشيئاً بسبب دخول فتن الشبهات والشهوات على الناس والذي يزداد خطورتهما وعظم مصيبتهما شيئاً فشيئاً .

* ففتنه الشبهات والتي يلقيها دائما المغرضين والدخلاء علي علوم الشريعة والجهال والتي نراها ونسمعها كل يوم من تطاول علي بعض االاحكام الشرعية والنصوص النبوية من اجل زعزعة الثوابت وتشكيك المسلمين في صحة معتقدهم ، وهي الفتنة التي بينها الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة . فقالوا من يا رسول الله ؟. قال ما انا عليه الآن واصحابي

وهذه الفتنة لن ينجو منها إلا الطائفة المذكورة في الحديث "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"

ونستطيع معرفة طريق النجاة والمنهج السليم من هذا الحديث
قال الراوي : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، قال : فقلنا : يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : أوصيكم بالسمع والطاعة فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"

والحمد لله . فلم يشأ رب العزة أن يشقينا ويرهقنا بالبحث عن السبيل الصحيح الذي يمكننا من الوصول إلي رضاه . وهو سبيل القرآن والسنة . بفهم الصحابة وسلف الأمة قال تعالي" وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"



ولذلك يجب تصحيح مفاهيم المسلمين على ضوء القـرآن والسنة والقضاء على ثقافة الوهم و الظن التي قال الله عنها"وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً" فللأسف نجد أن كثيراَ من المسلمين ليسوا على فقه كافي بأمور دينهم و يحيون على ثقافة (الظن) ويرددون دائما ( أنا أعتقد كذا وأنا رأى كذا ) وما تفعل هذه الثقافة أمام بحار الفتن والشبهات ؟! " يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ"


* وأمــا فـتـنة الشهوات فقد بينها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك حيث قال

والله ما الفقـر أخـشـى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم"

 
فها هي الشهوات أي الملذات والرغبات تحيط بنا وتطل علينا من كل حدب وصوب فإذا تأملت أحاديث الناس واهتماماتهم اليومية فسنجدها كلها فارغة من أي محتوي ديني فهي علي سبيل المثال إما بيع وشراء لمنتجات أو مأكولات أو الاطلاع علي الأخبار أو متابعة أحدث الموديلات أو مشاهدة المباريات والأفلام والمسلسلات والصحف والمجلات وسماع بل حفظ الأغنيات

وفي الحديث " ‏من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي ‏ ‏راغمة ‏"

 
بل وصل الحال إلي أنك إذا أوقفت أي أحد فى أي مكان وسألته اذكر لي بعض أسماء الفنانين والمطربين ؟

سيعدد لك فلان وفلان وفلانة وهم كثير وأنا أعشق فلان وأحفظ هذه الأغنية وهذه وهذه ويذكر لك أعمارهم ورواتبهم ونشأتهم وأهم أعمالهم وربما يأخذ من وقتك الكثير لطول الإجابة

وإذا سألته اذكر لي بعض الأنبياء أو الصحابة أو العلماء في الماضى أو الحاضر ؟ سينتظر لوهلة لكي يتذكر وربما لايتذكر

http://www.youtube.com/watch?v=ZeKTomXJTxo

ولو سألته هل تحفظ الأذكار أو الأدعية المأثورة عن الرسول صلي الله عليه وسلم ؟
ربما يكون حافظ لواحد أو اثنان وربما لا يحفظ منها شئ ويستعين بورقة أو كتيب لقرائتها أو ربما لا يقرئها من الأساس ولا يعرف عنها أي شئ
فهذا هو حال أغلب الناس وعامتهم .... نسأل الله العافية

حتي المثقفين أو مدعي الثقافة فقد تجد الواحد منهم حاصل علي درجة الدكتوراة ولا يعرف قراءة الفاتحة قراءة سليمة وإذا سألته ما هي سنن الوضوء ؟ او اركان الصلاة ؟ لا يستطيع الإجابة !!!

وإذا فتشنا عن سبب كل مرض يصيب الأمة وكل كارثة تحل عليها فسنري أن السبب الرئيسي هو الجـهـل بالدين فلن يعود المسلمين إلى عزهم ومجدهم وإلى خيري الدنيا والآخرة إلا بعد أن ينال العلم مكانته التي يستحقها في قلوب المسلمين وقد قَال صلى الله عليه وسلم

مَنْ يُرِد اللَّه بِهِ خيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ

والسؤال هنا ما هو الدين إذا ؟؟

فالدين هو كما قال تعالي"إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ"

"وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"

و الإسلام في اللغة له معنيان :

الأول : الاستسلام والانقياد. الثاني : إخلاص العبادة لله.

وتعريف الإسلام في الشرع : الامتثال لأوامر الله ونواهيه .

ومن هذه التعريفات يتبين أن المسلم باعتباره عبد لله فهو يطيعه في كل ما أمر وينتهي عن كل ما نهي تفعيلا للمبدأ القرآني الإيماني وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ

فلا يوجد في قاموس المسلم الصادق الإيمان عندما يعرض عليه قول الله ورسوله كلمة ( أنا لست مقتنع ) أو ( اقنعنى حتي أفعل ) بل ينبغي عليه أن يبادر بالطاعة والامتثال لأمر الله ورسول

 
* أما علوم الشريعة كما أشرت إليها في البداية فهي في الحقيقة تنقسم إلي عدة علوم متنوعة و أصول، وفروع
أهمها

 
1 - العقيدة : وهو ما يتعلق بأركان الإيمان الستة : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فنؤمن بهذه الأركان الستة إيمانا موافقا لنصوص القرآن و السنة وخلاف ذلك يكون خلاف الإسلام ، ويندرج تحت هذا الباب بيان نواقض الإسلام بانواعها وشروط لا إله إلا الله وانواع التوحيد الثلاثة (توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الاسماء والصفات) وكذلك الإيمان بالأمور الغيبية كالجن وخروج المسيح الدجال وعلامات الساعة وأحوال القبور وغير ذلك من الأمور الغير مرئية الآن , ويندرج تحتها أيضا دراسة الملل والنحل أي معرفة الطوائف المخالفة التي تنسب نفسها إلي الإسلام ( كالشيعة والصوفية والبهائية والماتريدية والمعتزلة والأحمدية وغيرهم ) وذلك بدراستها وإقامة الحجج والبراهين على بطلانها

2 - الفقه : وهو يتعلق بالمسائل التفصيلية الواردة في الكتاب والسنة، وهو ينقسم إلى قسمين : العبادات مثل الطهارة والوضوء والصلاة والصيام والزكاة والحج، والمعاملات مثل فقه البيوع والنكاح والطلاق والقضاء والجهاد الكفارات و مشابه من أبواب تشمل تفاصيل كل صغيرة وكبيرة في تعامل الأفراد بعضهم ببعض سواء فى الحياة أو بعد الممات كعلم الميراث

وهذا الفقه يتوصل إليه من خلال علم أصول الفقه والقواعد الفقهية مثل (الأصل في الأشياء الإباحة) و(الأصل في الأمر الوجوب).

3 - التفسير : وهو ما يتعلق بتفسير القرآن الكريم، ويندرج تحت علوم القرآن : التجويد والقراءات والناسخ والمنسوخ وغيرها، والتفسير ينقسم إلى قسمين : التفسير بالمأثور اي تفسير القرآن بالقرآن او بالسنة او الاثار المروية عن الصحابة ، والتفسير بالرأي وهذا يرجع إلي العلماء الراسخين في العلم الذين رزقهم الله فهم تأويله ومتشابهاته.

4 - الحديث : وهو يتعلق بالعلم بالأحاديث النبوية أي معرفة كل ماورد عن النبي صلي الله عليه وسلم سواء ( قول أو فعل أو تقرير) أي شاهد شئ فلم ينكره ووافق عليه وهو ينقسم إلى قسمين : علم الحديث دراية اي نص الحديث نفسه وشرحه وبيان معاني كلماته واحكامه، وعلم الحديث رواية اي الادوات العلمية التي يستطيع العالم بها التفريق بين النص الصحيح من الضعيف من الموضوع والشاذ وغيره

ويندرج تحت علم الحديث علم فرعي آخر يسمي علم الرجال (الجرح والتعديل)، وعلم الحديث من خلاله نطلع علي السيرة والتاريخ الإسلامي وهو من أغزر العلوم الشرعية من حيث المصنفات والتأليف.

5- علم الأخلاق والرقائق : وهو علم تزكية النفس وتربيتها علي الصدق والمحبة والصبر والإتقان وغيرها من الصفات الحميدة التي يجب أن نربي أنفسنا عليها قبل أن نربي أبنائنا والرقائق هي التذكير بالأخرة فهي ترقق القلوب كذكر الصراط والحساب والجنة والنار وحال العصاه والأتقياء وهكذا

6 - اللغة العربية : وهو يتعلق بلغة العرب لأن القرآن نزل بها تتفرع إلى علوم كثيرة (12 علماً) : النحو والصرف والأدب والشعر والاشتقاق والبلاغة وغيرها .

فكما ترون العلوم كثيرة وربما أكون قد غفلت عن جزء منها
وهذا فإن لكل علم مجموعة كبيرة من العلماء الأجلاء الذين بذلوا الجهد العظيم في نشأة وتكوين هذه العلوم من أجل حفظها وبقائها فكتبوا بأيديهم مؤلفات عدة تزخر بكنوز المعرفة هؤلاء الذين مدحهم الله بقوله إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ

إذا فليس من السهل أن يدعي أحد العلم ويطلق علي نفسه لقب عالم إلا بعد أن يطلع علي كل هذه العلوم ويتخصص في فرع منها ولكن ما أكثر هؤلاء المدعين في زماننا وياليتهم يدعون العلم فقط بل ويفتون بأشياء تنافي أصول الشريعة وذلك ينطبق عليهم قول الله تعالى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

وصدق الرسول صلي الله عليه وسلم حين قال
إن الله لاينزع العلم من الناس انتزاعا ، ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم ، ويبقى في الناس رءوس جهال يفتونهم بغير علم ، فيضلون ويضلون

فعلينا إزالة الغمام من علي أعيننا ونهتم بأنفسنا قليلا وننور عقولنا بما فيه صلاح ديننا ودنيانا وهذا لا يتأتي إلا بالتخلية قبل التحلية أي التخلي عن الرذائل حتي نتحلي بالفضائل

وأخيرا أختم بتتدبر قوله تعالي

وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ



يرجي مراجعة